فصل: الأول: من آمن بها كلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.أقسام أوامر الله عز وجل:

أوامر الله عز وجل نوعان:

.1- أوامر كونية قدرية:

وقد وكل الله الملائكة بتنفيذها في ملكه العظيم على كافة مخلوقاته كما قال سبحانه: {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا [1] وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطًا [2] وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا [3] فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا [4] فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا [5]} [النازعات:1- 5].

.2- أوامر الله الشرعية:

وهي الكتب الإلهية التي أنزلها الله عز وجل على رسله، وهي تشتمل على الأوامر الشرعية التي تصلح بها أحوال العباد في الدنيا والآخرة، وتحصل بها هدايتهم كما قال سبحانه: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [2] نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ [3] مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [4]} [آل عمران:2- 4].

.حاجة العباد إلى أوامر الله:

جميع الخلائق محتاجون بل مضطرون إلى أوامر الله الكونية من الخلق والرزق، والتدبير والتصريف وغيرها.
والناس محتاجون إلى أوامر الله الشرعية أعظم من حاجتهم للطعام والشراب والتنفس؛ لأنهم بفقدهم ذلك يموتون ويخسرون الدنيا، لكنهم بفقد الدين يخسرون الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
وأوامر الله الشرعية هي الدين الذي أنزله الله على رسله لهداية عباده، وتعريفهم بخالقهم ومعبودهم، وما يحب وما يكره من الأقوال والأعمال والأخلاق، وتبين ثواب من أطاعه، وعقوبة من عصاه.
فلابد للملك في ملكه العظيم من أوامر تصلح بها أحوال عباده، من حث وتحريض، ونهي وتحذير، وترغيب وترهيب.
فمن أحسن أثيب، ومن أساء عوقب.
ولابد للملك من سفراء بينه وبين خلقه، وهم الأنبياء والرسل الذين يربيهم، وينزل عليهم الوحي، فيعملون به، ويستقيمون عليه، يبينون للناس ما نزل إليهم من أوامر وأحكام، ويبلغون دينه لخلقه، ويحكمون بين الناس بالعدل والإحسان، وينفذون أوامر الله في خلقه.
ولابد للملك من محكمة يحاسب فيها من أطاعه ومن عصاه، وهي يوم القيامة وبعد الحساب يكون الناس فريقين.
فمن آمن وعمل صالحاً دخل الجنة... ومن كفر بالله دخل النار.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [13]} [النساء: 13].
وقال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [14]} [النساء:14].

.حكمة إنزال الكتب:

الله عز وجل نظم الكون بسننه، وسيَّره بقدرته.
فالنبات له سنن، والمياه لها سنن، والجبال لها سنن.
وقد أكرم الله الإنسان حين أنزل عليه كتاباً يسير على هديه، ويعرِّفه بخالقه ورازقه وما يجب له.
فإنّ عقل الإنسان قاصر محدود، لا يدرك تفاصيل المنافع والمضار، وتغلب عليه الشهوات، وتلعب به الأهواء، ولا يعلم ما في الغيب، ولا ما بعد الموت، ولا ما في اليوم الآخر.
ولو وكلت البشرية إلى عقولها القاصرة لضلت وتناحرت وهلكت، ولكن الله برحمته أرسل الرسل بالكتب لبيان ذلك كله.
قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [164]} [آل عمران:164].

.مقاصد الكتب السماوية:

كتب الله عز وجل تجمع للعبد خيري الدنيا والآخرة وكل كتاب من كتب الله عز وجل جاء بثلاثة أمور:

.الأول: تعريف الناس بربهم ليعبدوه وحده:

ويجتنبوا عبادة ما سواه.
قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [25]} [الأنبياء:25].

.الثاني: تعريفهم بالطريق الموصل إليه:

وهو امتثال ما شرعه الله من الأوامر، واجتناب ما نهى الله عنه.
قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [153]} [الأنعام:153].

.الثالث: تعريفهم بمالهم بعد القدوم عليه سبحانه:

فللمؤمن الجنة، وللكافر النار.
قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [14] فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ [15] وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [16]} [الروم:14- 16].

.أنواع الشرائع الإلهية:

الشرائع التي أنزل الله على عباده ثلاث:

.الأولى: شريعة العدل:

وهي شريعة التوارة، شريعة الجلال والقهر، وفيها الحكم والقصاص بالعدل.

.الثانية: شريعة الفضل:

وهي شريعة الإنجيل، شريعة الجمال والفضل والإحسان، وفيها الحث على مكارم الأخلاق من العفو والصفح والإحسان.

.الثالثة: شريعة العدل والإحسان:

وهي شريعة القرآن، التي تذكر العدل وتوجبه، وتذكر الإحسان وتندب إليه، وتذكر الظلم وتحرمه كما قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [90]} [النحل:90].
وقد أرسل الله بالأولى موسى عليه السلام.. وأرسل بالثانية عيسى عليه السلام.. وأرسل بالأخيرة محمداً صلى الله عليه وسلم. فشريعة موسى عليه السلام جاءت بالجلال، وشريعة عيسى عليه السلام جاءت بالجمال، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم جاءت بالكمال الجامع للجلال والجمال، والعدل والإحسان ولهذا رضيها الله ديناً للبشرية إلى يوم القيامة كما قال سبحانه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [3]} [المائدة: 3].

.منزلة الكتب:

صحف إبراهيم فيها الأوامر بعبادة الله وحده، والشريعة التي يتقرب بها إليه. والقرآن والتوراة كتابان من عند الله، وكل منهما أصل مستقل، والذي فيهما دين واحد فيه بيان صفات الله، والأمر بعبادته وحده، والشريعة التي يتقرب بها إليه، كلٌّ في وقته.
والزبور فيه دعاء وثناء على الله، وأمر ونهي، وداود عليه السلام متبع لشريعة التوراة.
وأما الإنجيل فعيسى عليه السلام متبع لشريعة التوراة، وأحل لبني إسرائيل بعض الذي حُرِّم عليهم.
والقرآن الكريم أصل مستقل بنفسه، مهيمن على غيره، مشتمل على جميع ما في الكتب السابقة من المحاسن، وفيه زيادات وتشريعات لا توجد فيما قبله من الكتب، وهو ناسخ لجميع الكتب قبله.
قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [48]} [المائدة: 48].
وقال الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [52]} [إبراهيم:52].

.موقف الناس من الكتب:

ينقسم الناس بالنسبة للكتب الإلهية إلى أربعة أقسام:

.الأول: من آمن بها كلها:

وهم المؤمنون الذين آمنوا بجميع الأنبياء والرسل، وبما أنزل إليهم.
قال الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [285]} [البقرة:285].

.الثاني: من كفر بها كلها، وهم جميع الكفار والمشركين:

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا [136]} [النساء:136].

.الثالث: من آمن ببعض الكتب، وكفر ببعضها:

وهم اليهود والنصارى ومن سار على نهجهم.
قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [91]} [البقرة:91].
وقد توعد الله هؤلاء بالخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة كما قال سبحانه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [85]} [البقرة:85].

.الرابع: من آمن بها ظاهراً، وكفر بها باطناً:

وهؤلاء هم المنافقون الذين يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، وعذابهم في أسفل النار.
قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [145] إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا [146]} [النساء:145- 146].

.حكم العمل بالكتب السابقة:

نؤمن بأن الله عز وجل أنزل الكتب السابقة لهداية عباده وهي شريعته ودينه في أوقاتها، ونصدق ما صح من أخبارها كأخبار القرآن، وأخبار ما لم يبدل أو يحرف منها.
نعمل بأحكامها ما لم ينسخ في شريعتنا ذلك الحكم.
وجميع الكتب الإلهية السابقة كالتوارة والإنجيل والزبور وغيرها منسوخة بالقرآن كما قال سبحانه: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [48]} [المائدة: 48].
ما في أيدي أهل الكتاب مما يسمى بالتوراة والإنجيل، أو العهد القديم والعهد الجديد، لا تصح نسبته كله إلى أنبياء الله ورسله، فقد كُتب بعدهم، ووقع فيه التحريف والتبديل، ومنها ما كتموه، ومنها ما افتروه.
كقول اليهود عزير ابن الله.. وقول النصارى المسيح ابن الله.. وقول اليهود إن الله فقير.. وقولهم إن يد الله مغلولة.. واتهام الأنبياء بما لا يليق بمقامهم.. ووصف الخالق بما لا يليق بجلاله.
فيجب رد ذلك كله، وعدم الإيمان إلا بما جاء في القرآن والسنة وتصديقه.
إذا حدَّثَنا أهل الكتاب فلا نصدقهم ولا نكذبهم، ولكن نقول آمنا بالله وكتبه ورسله.
فإن كان ما قالوه حقاً لم نكذبهم، وإن كان ما قالوه باطلاً لم نصدقهم، ونجادلهم بالتي هي أحسن إلا الظالم منهم، ومجادلتنا لهم مبنية على إيماننا بالله وكتبه ورسله، فلا نقدح في شيء من كتب الله المنزلة، ولا في أحد من رسله كما قال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [46]} [العنكبوت:46].
وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ أهْلُ الكِتَابِ يَقْرَؤُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لأهْلِ الإِسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ الله: «لا تُصَدِّقُوا أهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا (آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) [البقرة: 136]» أخرجه البخاري.

.حكم العمل بالقرآن الكريم:

القرآن الكريم أعظم الكتب الإلهية، وأفضلها، وأحسنها، وأكملها، أنزله الله على خاتم رسله، وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، وجعله تبياناً لكل شيء، وهدى ورحمة للعالمين، كما قال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [89]} [النحل: 89].
فالقرآن العظيم أفضل الكتب.. نزل به أفضل الملائكة وهو جبريل.. على أفضل الخلق وهو محمد صلى الله عليه وسلم... على أفضل أمة أخرجت للناس وهي هذه الأمة.. بأفضل الألسنة وأفصحها وهو اللسان العربي المبين.. بأفضل شريعة وأكملها وهي ما فيه من الأحكام والسنن والفضائل والآداب.
فيجب على كل أحد الإيمان به، والعمل بأحكامه، والتأدب بآدابه كما قال سبحانه: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [8]} [التغابن:8].
والقرآن كتاب الله وشرعه ومنهجه للبشرية إلى يوم القيامة. كما قال سبحانه: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [52]} [إبراهيم:52].
وقد تكفل الله بحفظه فسلم من التحريف والتبديل، ومن الزيادة والنقصان كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [9]} [الحِجر:9].
ولا يقبل الله العمل بغيره بعد نزوله، لأنه ناسخ لما قبله، وجميع ما قبله من كتب الله شريعة في وقتها، ثم جاء القرآن ناسخاً لها.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [85]} [آل عمران:85].
وَعَنْ أبِي هُريرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ يَسْمَعُ بِى أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِىٌّ وَلاَ نَصْرَانِىٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِى أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَّ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» أخرجه مسلم.

.فضل القرآن الكريم:

قال الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [23]} [الزُّمَر:23].
وقال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا [82]} [الإسراء:82].
وقال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا [9] وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [10]} [الإسراء:9- 10].

.فقه آيات القرآن الكريم:

آيات القرآن فيها تبيان كل شيء، وهي إما خبر أو طلب.
وأخبار القرآن نوعان:
إما خبر عن الخالق وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله، وهو الله عز وجل.
وإما خبر عن المخلوق.
إما في العالم العلوي كالعرش، والكرسي، والسماء، والملائكة، والنجوم ونحو ذلك.
وإما في العالم السفلي كالأرض، والنبات، والحيوان، والإنسان، والجبال، والبحار ونحوها.
وإما خبر عن الأنبياء والرسل وأتباعهم، وأعدائهم، وجزاء كل فريق ونحو ذلك.
وإما خبر عن اليوم الآخر، والجنة والنار ونحو ذلك.
والطلب في القرآن نوعان:
إما أَمْر بعبادة الله وحده، وطاعة الله ورسوله، وفعل ما أمر الله به كالصلاة والزكاة، والعدل والإحسان، والدعوة والأمر بالمعروف ونحو ذلك.
وإما نهي عن الشرك بالله، وتحذير مما حرم الله كالربا والفواحش ونحو ذلك مما نهى الله عنه كالظلم والمعاصي وسيء الأخلاق.
قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [12]} [الطلاق:12].
وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [90]} [النحل:90].

.قوة كلام الله عز وجل:

قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ [31]} [الرعد:31].
وقال الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [21]} [الحشر:21].
وقال الله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [109]} [الكهف:109].
وقال الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [88]} [الإسراء:88].
وقال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ [41] لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [42]} [فُصِّلَت: 41- 42].